إلهي لأنها حافظت على نفسها هذا الزمن الطويل برغم فساد مديريها (٩٣) وهو يلاحظ أنه مسيحي بمحض الصدفة الجغرافية، ولولا ذلك "لآثرت أن أكون أحد عباد الشمس (٩٤) ". وهو لا يتكلم على المسيح غير مرة واحدة، على قدر ما يذكر أحد قرانه (٩٥). ولم تستهو تلك القصة الجميلة، قصة أم المسيح، روحه غير العاطفية إلا بمقدار، ومع ذلك نراه يعبر إيطاليا ليضع أربعة تماثيل نذرية أمام مزارها في لوريتو. وكان يفتقر إلى ملامح الروح الدينية- وهي التواضع، والاحساس بالذنب وتبكيت الضمير والتكفير، والشوق إلى الغفران الإلهي والنعمة الفادية. لقد كان رجلاً حر الفكر، فيه حساسية ضد الاستشهاد.
على أنه ظل كاثوليكياً بعد أن كف طويلاً عن أن يكون مسيحياً (٩٦). وكما كان أي مسيحي فطن من المسيحيون الأوائل ينحني لأحد الأوثان انحناءة عابرة، كذلك فإن مونتيني، أكثر المسيحيين وثنية، يتحول بين الحين والحين عن إثرائه اليونان والرومان ليقدم الاحترام لصليب المسيح أو حتى ليلثم قدم أحد البابوات. فهو لم ينتقل كما انتقل باسكال من الشك إلى الإيمان، بل من الشك إلى الطاعة. ولم يكن هذا بدافع الحذر فحسب، فلعله أدرك أن فلسفته التي شلت حركتها تررداته وتناقضاته وتشككه قد تصلح ترفاً لعقول هيئت من قبل للحضارة (بالدين؟)، وان فرنسا، حتى وإن أغرقت عقائدها في الدم، إلا أنها لن ترضى بديلاً عنها متاهة فكرية ليس فيها شيء يقيني غير الموت. ورأى أن الفلسفة الحكيمة تصالح الدين:
"إن اصحاب العقول البسيطة، الأقل فضولاً، والأقل حظاً من التعليم، يجعلون مسيحيين طيبين، وهم بالتبجيل والطاعة يحتفظون بإيمانهم البسيط ويلتزمون بالقوانين. والعقول متوسطة القوة والكفاية هي التي يتولد فيها خطأ الآراء … أما خير العقول وأكثرها استقراراً وأصفاها نظراً فتخلق نوعاً آخر من خيار المؤمنين، الذين ينفذون بالبحث الطويل والتمحيص الديني إلى معنى أعمق وأعوص في الأسفار المقدسة ويكتشفون