للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسرار الخفية الإلهية للنظام الكنسي … أن الفلاحين البسطاء قوم أمناء، وكذلك الفلاسفة (٩٧).

وهكذا، بعد كل لذعاته للمسيحية، ولأن جميع الأديان على السواء إنما هي أستار تغطي جهلنا المرتعد، ينصحنا بأن نقبل دين زماننا ومكاننا. أما هو، ففي وفائه لجغرافيته، عاد إلى شعائر أبائه، فأحب الدين الطقسي العطر الحسي، لذلك فضل الكاثوليكية على البروتستنتية. ونفره من الكلفنية إصرارها على الجبرية (٩٨)، وإذا كان إرزمي الأرومة فقد مال إلى كرادلة روما العالميين اللطفاء دون لويولا جنيف (كالفن) أو أسد فنبرج (لوثر). وأشد ما أسف له أن العقائد الجديدة كانت تقلد القديمة في تعصبها. ومع أنه سخر من المهرطقين لأنهم حمقى يثيرون ضجة حول ميثولوجيات متنافسة، إلا أنه لم يرى معنى لحرق هؤلاء الخوارج. "على أي حال إنه تقدير عال لآرائنا أن نشوي الناس أحياء بسببها (٩٩) " أو أن نسمح للناس بأن يشوونا.

كذلك نراه في ميدان السياسة يختتم مسيرته محافظاً مطمئناً إذ لا جدوى من تغيير أشكال الحكومة؛ فستكون الحكومة الجديدة سيئة كالقديمة لأنها ستدار بأيدي البشر. فالمجتمع "إطار شاسع جداً "، وجهاز شديد التعقيد من الغريزة والعرف والأسطورة والقانون، يتشكل في بطئ بحكمة الزمن الحاصلة من التجربة والخطأ، بحيث يستحيل على أي عقل مفرد مهما أوتي من قوة وذكاء أن يفصصه ثم يعيد تركيبه دون فوضى وعذاب لا حصر لهما (١٠٠). وخير للناس أن يخضعوا لحكامهم الحاليين مع ما فيهم من سوء، إلا إذا حاولوا أن يغلوا الفكر ذاته، عندها قد يستجمع مونتيني شجاعته وينصح بالثورة، لأن "عقلي لم يشكل لينحني أو يذل، أما ركبتاي فنعم (١٠١) "، والعاقل من ابتعد عن المنصب وإن احترمه، "أن أعظم وظيفة هي إنقاذ الدولة ونفع الكثيرين "، "أما أنا فمنصرف عنها (١٠٢) "، ومع ذلك فقد خدم الدولة في فترتي منصبه.