وفي رحلة ثانية إلى روما استقر به المقام فيها مع أخيه الذي كان أمين مكتبة كاردينال. وأبدع بيتر آنذاك عدة لوحات للقديسين، منها لوحة "القديس جريجوري يصلي للعذراء (١٠) ". وقد اعتبرها أولى روائعه. وفي ١٦٠٨ سمع بمرض أمه، فاستحث السير شمالاً إلى انتورب، وتأثر أشد التأثر حين وجد أنها قد فارقت الحياة. وكان حبها الموسوم بالحكمة والصبر قد ساعد على خلق مزاجه المرح الذي سعدت به حياته. وفي نفس الوقت كان قد تعلم الكثير في إيطاليا. فإن لون البنادقة المغري البديع، والشهوانية الحسية في لوحات جيوليو رومانو الجصية في مانتوا. والجمال الأخاذ الهادئ في رسوم النساء التي أبدعتها يد كوريجيو في بارما، والفن الوثني في روما الوثنية المسيحية معاً وارتضاء المسيحية للاستمتاع بالخمر والنساء والغناء-كل أولئك امتزج بدمه وفنه. حتى أنه عندما عينه الأرشيدوق ألبرت مصور البلاط، في أنتورب ١٦٠٩، اختفت كل بقايا الفن القوطي في التصوير الفلمنكي، واكتمل انصهار الفن الفلمنكي والفن الإيطالي معاً.
وكان ضرباً من الحكمة على غير قصد من أنه كان متغيباً عن الأراضي الوطيئة طوال ثمانية أعوام الحرب، وأنه تلقى قرار تعيينه في أول أعوام الهدنة، ففي السنوات الأثنتي عشر التالية على وجه التحديد استعادت أنتورب وبروكسل حياتهما الثقافية. ولم يكن روبنز بالعنصر اليسير في هذا البعث. ويحصي مؤرخ سيرته ١٢٠٤ من اللوحات الزيتية و٣٨٠ من الرسوم له (١١)، ولا يستبعد أن كثيراً غير هذه وتلك لم يسجله التاريخ. وليس لهذا الخصب مثيل في تاريخ الفن. ويكاد الأمريكيون كذلك بالنسبة لتنوع الموضوعات وسرعة التنفيذ. وكتب روبنز يقول:"إن موهبتي من طراز معين، ولم تروعني معه أية مهمة مهما عظم حجمها أو تشعبت موضوعاتها (١٢) "-لقد أنجز في خمسة وعشرين يوماً الثلاث التي تمثل "النزول عن الصلب" لكاتدرائية أنتورب، وفي ثلاثة عشر يوماً لوحة "عبادة الملوك" الضخمة الموجودة الآن في متحف اللوفر. وبالإضافة إلى راتبه السنوي في البلاط