لبان الإلحاد والكفر من طبيبها بورديلوت (٢٤). وذهب مؤرخ سويدي-وكرر فولتير قوله (٢٥) -إلى أن تحولها إلى الكثلكة كان تمثيلية هزلية مقصودة، وبناء على هذه النظرية، تكون كريستينا قد انتهت إلى النتيجة التي تقول بأنها ما دامت الحقيقة شيئاً لا يمكن معرفته أو الوصول أليه، فللمرء أن يختار الديانة التي تستهوي قلبه وتتفق مع فكرة الجمال أكثر من غيرها (٢٦)، وتوفر أكبر فد من الطمأنينة للناس. ولكن الارتداد إلى الكاثوليكية رد فعل صادق مخلص بعد التشكك المفرط، فقد يحفر التصوف جذوره في أعماق الشك. لقد كان في كريستينا عناصر صوفية خفية، فكل مذكراتها موجهة إلى الله في إخلاص بالغ. إن الإيمان ثوب واق. وإن التجرد الكامل منه ليترك الإنسان في حالة عرى فكري يتطلع إلى الكساء والدفء. وأي ثوب أدفأ من كاثوليكية فرنسا وإيطاليا الحسية النابضة بالحياة؟ وتساءلت الملكة:"كيف يكون المرء مسيحياً دون أن يكون كاثوليكياً (٢٧)؟ "
وفكرت كرستينا ملياً في هذه المسألة وفي المضاعفات التي ينطوي عليها ارتدادها فإنها إن تركت اللوثرية، فلابد لها، بمقتضى قوانين مملكتها ووالدها الحبيب-أن تتخلى عن عرشها، وأن تغادر بلادها كذلك. وأية نكسة مروعة يكون هذا التحول في العقيدة لدفاع والدها البطولي عن أوربا البروتستانتية، ولكنها ضاقت ذرعاً ولاقت نصباً من واجباتها الرسمية ومن خطب الوعاظ والمستشارين الرنانة، ومن الثالوث المتحذلق من العلماء والأثريين والمؤرخين. وربما تعبت منها السويد وضاقت بها ذرعاً كذلك. وقد أفقرها وهبط بمواردها تخليها من أراضي التاج وهداياها وهباتها السخية لذوي الحظوة لديها والقريبين منها. وتكتلت أغلبية النبلاء ضد سياستها. وفي ١٦٥١ كان ثمة هبة توشك أن تكون ثورة. ولكن زعماءها أعدموا على عجل (٢٨). ولكنها خلقت وراءها امتعاضاً شديداً، ولكن انتابها المرض آخر الأمر، لقد أضرت هي بصحتها. وربما كان السبب في ذلك كثرة العمل والدرس.