للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمراً رهيباً بالنسبة لباقي أوربا (١٢) لا بل أن هذا الوضع ارتاحت إليه ألمانيا من وجوه كثيرة. صحيح أنه أضعفها في المنافسة السياسية والحربية مع الدول الموحدة، ولكنه أعطاها حرية محلية، وتنوعاً دينياً وثقافياً قد يفضله الألمان بحق على أرستقراطية متمركزة مضنية كأرستقراطية فيليب الثاني في أسبانيا ولويس الرابع عشر في فرنسا. فلم تكن هنا باريس تطغى وتعج بسكانها وتمتص دم الحياة من قطر بأكمله بل كوكبة من مدن مشهورة لكل منها طابعها وحيويتها.

على أن ألمانيا لم تعد تحظى بذلك التفوق الاقتصادي الذي كان لها في شمال لأوربا قبل لوثر، برغم هذه التشكيلة من المدن العظيمة والبلاطات الصغيرة. ذلك أن كشف طريق بحري خالص من غرب أوربا إلى الهند، وفتح الأطلنطي للتجارة، أفادا البرتغال وأسبانيا أولاً، ثم إنجلترا والأراضي الوطيئة بعدهما، وقد أضر بإيطاليا التي هيمنت من قبل على تجارة الشرق، وشاركت في اضمحلال إيطاليا تلك الأنهار والمدن الألمانية التي كانت تنقل التجارة من إيطاليا إلى الشمال. فأخذت ثغور الأراضي الوطيئة في بحر الشمال، وثغور الدنمرك وبولندة في البلطيق، معظم التجارة والمكوس. أما عصبة الهانسا فكانت قد فقدت تفوقها الماضي منذ زمن طويل، ودمرت لوبك في حربها الطويلة مع السويد (١٥٦٣ - ١٥٧٠). ولم تحتفظ بثرائها غير فرانكفورت على الراين، وطلت سوقها السنوية أحفل أسواق أوربا بالقصاد، وقد أحالت المدينة إلى مركز لتجارة ألمانيا الداخلية والمالية الدولية.

أما إقبال الناس على المال فظل على حالهِ. وتهرب الناس في كل مكان من المراسيم التي حرمت تقاضي فائدة تربو على ٥%. قال قسيس في ١٥٨٥ "إن رذيلة الربا الكافرة يمارسها الآن المسيحيون في حرص أشد من حرص اليهود في الماضي" وشكا واعظ في ١٥٨١ من أن "ولعاً غير مسيحي بالذهب