يرفأ حاجب عمر بن الخطاب، وكنت أجالسه، فقلت له يومًا: خذ هذه العمامة فالبسها، فإن عندي أختها، فكان يأنس بي، ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب، فكنت آتي فأجلس في القائلة، فيمر المار فيقول: إن للمغيرة عند عمر منزلة، إنه ليدخل عليه في وقت لا يدخل عليه فيه أحد.
وقد قال الشعبي: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سُفبان، وعمرو ابن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. فاما معاوية فللأناة والحلم، واما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير. قال ابن عبد البر: ويقولون: إن قيس بن سعد بن عُبادة لم يكن في الدهاء بدون هؤلاء مع كرم كان فيه وفضل.
ولما قتل عثمان وبايع الناس عليًّا دخل عليه، وقال له: يا أمير المؤمنين، إن لك عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عُبيد الله على الكوفة، والزُّبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية على الشام حتى تلزمه طاعتك، فإذا استقرت لك الخلافة فأدركها كيف شئت برأيك. فقال له علي: أما طلحة والزبير فسأرى رأبي فيهما وأما معاوية فلا والله لا يراني الله مستعملًا له ولا مستعينًا به ما دام على حاله، ولكني أدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله تعالى، فانصرف عنه المغيرة مُغْضَبًا لما لم يقبل منه نصيحته، فلما كان الغد أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين: نظرت فيما قلت بالأمس وما جاوبتني فيه، فرأيت أنك وُفِّقت للخير، ثم خرج عنه، فلقيه الحسن وهو خارج، فقال لأبيه: ما قال لك الأعور؟ فقال: أتاني بالأمس، وقال لي كذا، وأتاني اليوم بكذا، فقال له: نصحك والله أمس، وخدعك الوم. فقال له علي: إن أقررت معاوية على ما بيده كنت متخذًا المُضِلّين عضدًا. وقال المغيرة في ذلك: