للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارتكبه هاهنا، وكأنه قلّد في ذلك شيخه العلامة جمال الدين بن هشام، فإنه في "مغني اللبيب" ذكرها ومعانيها واستعمالها على ما حققه النحويون، وعدل عن ذلك فاستعملها في الخطبة مثل المصنّف، فقال: وها أنا بائح بما أسررته.

قلت: ما ذكره النحويون واللغويون من اشتراط للإخبار عن الضمير في هذه الحالة باسم الإشارة، مردود بما أقر عليه النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، هذا الأعرابيّ السائل -وهو أفصح من نطق بالضاد، والأعراب الذين هم سكان البادية، هم أفصح العرب- من النطق بها دون الإخبار باسم الإشارة، فلا يُلْتفت بعد هذا إلى كلام النحاة.

وقوله: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله": وسّد أي: أسند، كما هو صريح الرواية الآتية في الرقاق. وأصله من الوسادة. وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس، أن تثنى تحته وسادة. فقوله: وسِّد، أي: جُعل له غير أهله وسادًا، فتكون إلى بمعنى اللام، وأتى بها ليدل على تضمين معنى أُسند. والمراد من الأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والامارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك.

وقوله: "فانتظر الساعة": الفاء للتفريع، أو جواب شرط محذوف، أي: إذا كان الأمر كذلك، فانتظر الساعة. قال ابن بَطَّال: معنى إسناد الأمر إلى غير أهله، أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصح لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين، فقد ضيّعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها.

ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم، أن إسناد الأمر إلى غيره، إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط، ومقتضاه أن العلم ما دام قائمًا ففي الأمر فسحة.

وكان المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر تلميحًا لما

<<  <  ج: ص:  >  >>