وعن محمد بن أسلم الطُّوْسِيّ قال: قرب الإِسناد قرب. أو قال: قربة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-. وقال الحاكم: إن طلب العُلُو سُنّة صحيحة، محتجًا في ذلك بخبر أنس في مجيء ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليسمع منه مشافهة، ما سمعه من رسوله إليه، إذ لو كان طلب العُلُو غير مستحب، لأنكر عليه، صلى الله عليه وسلم، سؤاله عما أخبر به رسوله عنه. ولأمره بالاقتصار على خبر رسوله منه، لكن فيه نظر لجواز أن يكون إنما جاءه وسأله، لأنه لم يصدق رسوله، أو لأنه أراد الاستثبات لا العُلُو.
وقد قال بعض العلماء: إن النزول أفضل من العُلُو محتجًا بأن على الراوي أن يجتهد في معرفة جَرْح من يروي عنه، وتعديله، والاجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر، فكان الثواب فيه أوفر، وهذا القول مردود، لضعفه، وضعف حجته، قال ابن دقيق العيد: لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، قال: ومراعاة المعنى المقصود من الرواية، وهو الصحة، أوْلى، فإنه بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقا بعيدة لتكثير الخطا، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود، وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته، وبعد الوهم، وكلما كثُر رجال الإِسناد تطرَّق إليه احتمال الخطأ والخلل، وكلما قصُر الإِسناد كان أسلم، اللهم إلا أن يكون رجال السند النازل أوْثق، أو أحفظ، أو أفقه، أو نحو ذلك، كما يأتي.
والعلو خمسة أقسام كما قال أبو الفضل بن طاهر وابن الصَّلاح. الثلاثة الأول منها علو مطلق: ترجع إلى علو مسافة، وهو قلة العدد، والأخيران إلى علو صفةٍ في الراوي أو شيخه.
الأول منها: علو مطلق، وهو ما فيه قرب من الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالنظر لسائر الأسانيد، أو لإسناد آخر، فأكثر لذلك الحديث بعينه، وهذا هو أفضل الأقسام بشروط صحة سنده، إذ القرب مع ضعف السند لا اعتبار له. والثاني منها: علو نسبيُّ، وهو القرب إلى إمام من أئمة