للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: العلو بتقديم السماع من الشيخ، فمن سمع منه متقدمًا، كان أعلى ممن سمع منه بعده، ويدخل كثير منه فيما قبله، ويمتاز عنه، بأن يسمع شخصان من شيخ وسماعُ أحدهما منذ ستين سنة، مثلًا، والآخر منذ أربعين سنة، وتساوى العدد إليهما، فالأول أعلى من الثاني ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه، أو خَرِف. وربما كان المتأخر أرجح بأن يكون حديثه الأول قبل أنْ يبلغ درجة الإِتقان والضبط، ثم حصل له ذلك بعد، إلا أن هذا عُلُوُّ معنى كما يأتي. وجعل ابن طاهر وابن دقيق العيد هذا والذي قبله قسمًا واحدًا. وزاد بدل الساقط العلوَّ إلى الصحيحين ومصنِّفي الكتب المشهورة. وجعل ابن طاهر هذا قسمين: أحدهما عُلُوٌ إلى الصحيحين وأبي داود وأبي حاتم وأبي زرْعة. وثانيهما: علُوٌ إلى كتب مصنفة لأقوام كابن أبي الدنيا والخطابي قال: وكل حديث عز على المحدث، ولم يجده عاليًا، ولابدّ له من إيراده في تصنيف أو احتجاج، فمن أي وجه أورده فهو عال، لعزته. ومثل ذلك بأن البخاريّ روى عن أماثل أصحاب مالك، ثم روى حديثا لأبي إسحاق الفزاري عن مالك لمعنى فيه، فكان بينه وبين مالك ثلاثة رجال.

وأما النزول فهو ضد العلو، وهو خمسة أقسام، تعرف من ضدها. فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول، وما ورد من ذمه، كقول ابن المديني وغيره: إنه شؤم. وقول ابن مُعين: إنه قُرْحة في الوجه، فمحله الذي منه لم يجبر بصفة مرجحة، فإن جبر بها، كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أضبط أو أفقه، أو كونه متصلا بالسماع. وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الجمل، فالنزول حينئذ ليس بمذموم، ولا مفضول، بل فاضل، كما صرح به السَّلَفِيّ، وغيره، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى، عند النظر والتحقيق، والعالي عددًا عند فقد الضبط والإتقان عُلُوٌّ صُوْرِيّ، فكيف عند فقد الوثيق؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>