وقوله: فلما قرأه، بالهاء، وللحموي والمستملي "قرأ" بحذفها، أي: قرأ كسرى الكتاب، وفيه مجاز، فإن كسرى لم يقرأه بنفسه، وإنما قرىء عليه. وقوله: فحسبت ابن المُسيّب، قال: القائل هو الزُّهْريّ، وهو موصول بالإِسناد المذكور ووقع في جميع الطرق مرسلًا، ويحتمل أن يكون ابن المُسيّب سمعه من عبد الله بن حُذافة صاحب القصة، فإن ابن سعد ذكر من حديثه أنه قال:"فقرأ عليه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذه، ومزقه".
وابن المُسيّب هو سعيد، وقد مر في التاسع عشر من الإِيمان. وقوله: فدعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن يمزَّقوا كلَّ مُمَزَّق، بفتح الزاي في الكلمتين، أي: أن يمزقوا غاية التمزيق، فسلط الله على كسرى ابنه شِيْرَوَيه، فقتله بأن مزَّق بطنه، سنة سبع، فتمزق ملكه كل ممزق، وزال من جميع الأرض، واضمحل بدعوته -صلى الله عليه وسلم-.
وفي حديث عبد الله بن حُذافة: فلما بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"اللهمَّ مزِّق ملكه". وكتب إلى باذان عامِلَه على اليمن:"ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز". فكتب باذانُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة"، قال: وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جُمادى الأولى سنة سبع، وإن الله سلط عليه ابنه شِيروَيه، فقتله.
وعن الزُّهريّ قال: بَلَغني أن كسرى كتب إلى باذان: بلغني أن رجلًا من قريش يزعُمُ أنه نبيّ، فسِرْ إليه فإن تاب، وإلا ابعث برأسه. فذكر القصة، قال: فلما بلغ باذانُ، أسلم هو ومن معه من الفرس.
وكونُ بعثِ عبد الله بن حذافة كان سنة سبع، في زمن الهدنة، هو الذي جزم به ابن سعد والواقدي، وصنيع البخاري في المغازي يقتضي أنه كان سنة تسع، لأنه ذكره بعد غزوة تبوك.