وتناول النهي جميع الأحوال، فلا يجوز لبس خاتم الذهب لمن فاجأه الحرب، لأنه لا تعلق له بالحرب، بخلاف الرُّخصة في الحرير بسبب الحرب، وبخلاف ما على السيف أو التُّرس أو المِنْطقة من حِلية الذهب، فإنه لو فاجأه الحرب جاز له الضرب بذلك السيف، فإذا انقضت الحرب فلينتقض، لأنه كله من متعلقات الحرب بخلاف الخاتم.
واختلف في التختم في خِنصر اليمنى أو اليُسرى، أيهما أفضل، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة مختلفة، منها ما هو صريح في جعله في اليمنى، ومنها ما هو صريح في جعله في اليسرى. وقد سردها في "الفتح" ثم قال: وقال البَيْهقيّ في "الأدب المفرد" يجمع بين هذه الأحاديث، بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، كما صرح به في حديث ابن عمر والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة. وأما رواية الزُّهريّ عن أنس، التي فيها التصريح بأنه كان فضة، ولبسه في يمينه فكأنها خطأ. فقد مر أن الزُّهريّ وقع له وهم في الخاتم الذي طرحه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه وقع في روايته أنه الذي كان من فضة، وأن الذي في رواية غيره أنه الذي كان من ذهب، فعلى هذا، فالذي كان لبسه في يمينه هو الذهب.
وأجمع غيره بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله إلى يساره، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ وابن عديّ عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، تختم في يمينه، ثم حوَّله في يساره. فلو صح هذا لكان قاطعًا للنزاع. ولكن سنده ضعيف. وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: طرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خَاتم الذهب، ثم تختم خاتمًا من وَرِق، فجعله في يساره. وهذا مُرْسَل أو مُعْضل، وقد جمع البغويّ في شرح السنة بين ذلك، بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين. وتعقبه الطَّبري بأن ظاهره النسخ، وليس ذلك مراده، بل الإِخبار بالواقع اتفاقًا.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك، فقال: لا يثبت هذا ولا هذا، ولكن "في يمينه" أكثر. وقد قال البخاريّ: