للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحج من حديث ابن عباس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خطب الناس يوم النحر، فقال: "أيّ يوم هذا؟ " قالوا: "يوم حرام"، وظاهرهما التعارض، والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا، والطائفة الذين كان فيهم أبو بَكرة لم يجيبوا، بل قالوا: "الله ورسوله أعلم" كما أشرنا إليه، أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى، لأن في حديث أبي بكرة أنه لما قال: "أليس يوم النحر" قالوا: بلى، فقولهم: بلى، بمعنى قولهم: يوم حرام، بالاستلزام، وغايته أن أبا بَكرة نقل السياق بتمامه، واختصره ابن عباس، وكان ذلك بسبب قرب أبي بَكرة منه، لكونه كان آخذًا بخطام الناقة.

وقال بعضهم: يحتمل تعدد الخطبة، فإن أراد أنه كررها في يوم النحر، فيحتاج إلى دليل. فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج، أن ذلك كان يوم النحر بين الجَمَرات في حجه.

وقوله: "ليبلغ الشاهد الغائب" أي: الحاضر في المجلس الغائب عنه. ولام "ليبلغ" لام الأمر، مكسورة، ويبلغ فعل مضارع مجزوم بها، وكسرت غينه لالتقاء الساكنين. والمراد بالتبليغ إما تبليغ القول المذكور، أو تبليغ جميع الأحكام. وقوله: "من هو أوعى له منه" منه: صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصل بينهما بالجار والمجرور، لأنه معمول لأفعل. وقد يجوز الفصل بينهما بمعمول أفعل إذا كان ظرفًا، أو جارًا أو مجرورًا. وكذا يفصل بينهما بلو، وما اتصل بها، فالأول كقوله:

فلَأنْتَ أسْمحُ للعفاة بسُؤلِهم ... عند الشَّصائب من أب لبنيه

والشصائب: الشدائد، وزنًا ومعنى، والثاني كقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦] وفي البيت أيضًا، الجار والمجرور. والثالث كقوله:

ولَغوكِ أطْيبُ لو بَذَلْتِ لنا ... من ماءِ موهبةٍ على خَمْر

وإلى هذا أشار المختار بن بون في احمراره بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>