للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، أو من القرن الذي يليهم، أو ممن أتى بعدهم، فيستنبط منه مسائل كثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا على أن المراد القَسْم في تبليغ الوحي، ويحتمل أن يكون المراد القَسْم للمال، فقد قال الطّيبيّ: الواو في قوله "وإنما أنا قاسم" للحال من فاعل "يفقهْهُ" ومن مفعوله، فعلى الثاني، فالمعنى أن الله تعالى يعطي كلًا ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدركِ المعاني على قدرِهِ له، ثم يلهمني بالقاء ما هو لائق، باستعداد كل واحد. وعلى الأول، فالمعنى أني أُلقي على ما يسمح إليّ، وأسوي فيه، ولا أرجح بعضهم على بعض، والله يوفق كلا منهم، على ما أراد وشاء من العطاء.

وقال غيره: المراد القَسم المالي، لكنّ سياق الكلام يدل على الأول، إذ أنه أخبر أن من أراد به خيرًا يفقهه في الدين، وظاهره يدل على الثاني، لأن القسمة حقيقية في الأموال، نعم يتوجه السؤال عن وجه المناسبة بين اللاحق والسابق، وقد يجُاب بأن مورد الحديث كان عند قسمة مال، وخص عليه الصلاة والسلام، بعضهم بزيادة لمقتضى اقتضاه، فتعرض بعض من خَفيت عليه الحكمة، فرد عليه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "مَن يرد الله به خيرًا" الخ .. أي: من أراد الله به الخير، يزيد له في فهمه في أمور الشرع، فلا يتعرض لأمر ليس على وفق خاطره، إذ الأمر كله لله، وهو الذي يعطي ويمنع، ويزيد وينقص، والنبي -صلى الله عليه وسلم-، قاسمٌ بأمر الله، ليس بمعطٍ، حتى تنسب إليه الزيادة والنقصان. والحصر في قوله عليه الصلاة والسلام: "وإنما أنا قاسم" ليس حقيقيًا، إذ له صفات أخر. بل هو رد على من اعتقد أنه يعطي ويقسم، فيكون قصر إفراد، أو يعطي ولا يقسم، فيكون قصر قلب.

وقوله: "ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله" أي: الدين الحق، لا يضرُّهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله. وفي رواية للمصنف في الاعتصام "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون" أي: على من خالفهم، أي: غالبون، أو المراد بالظهور أنهم غير مستترين، بل مشهورون. والأول أولى، وعند مسلم من حديث جابر بن سَمُرة "لن يبرح

<<  <  ج: ص:  >  >>