الحق بين أيديهم كالميت، وأن المراد بالحديث ذمّ الغَرْب وأهله، لا مدحهم.
قال النَّوويّ: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع، وبصير بالحرب، وفقيه، ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزاهد، وعابد. ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولًا فأولًا، إلى أن لا تبقى إلا فرقة واحدة، فإذا انقرضوا جاء أمر الله.
قلت: ما قاله، وإن كان ظاهر الأحاديث من كونهم يقاتلون ظاهرين على عدوهم، مخالفًا له، لم يبق بعد المشاهدة لما فيه الإِسلام من الضعف، وعدم ناصر له في قطر من الأقطار، شيءٌ تحمل عليه الأحاديث الصحاح المتقدمة إلا هو، وكأنه كوشف له عن حالة الإِسلام اليوم، فحمل الطائفة المذكورة في الأحاديث على ما قال وإلا فزمنه كان الإِسلام فيه في عز لا يخطر حالنا الذي نحن فيه اليوم على قلب مؤمن في ذلك الزمان.
قال في "الفتح": ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها" أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مئة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه. فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها، لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أنّ جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المئة الأولى، باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها. ومن ثَمَّ أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه.
وأما من جاء بعده فالشافعي، وإن كان متصفًا بالصفات الجميلة، إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد، والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفًا بشيء من ذلك عند رأس المئة، هو المراد، سواء تعدد أم لا.