الكبر والاحتشامُ أنْ يجلس مجلس المتعلمين. ولهذا قال مالك: من عيب القضاء أن القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه.
وقال الشافعيّ: إذا تصدر الحدث، فاته علم كثير. وقال ابن المنير: مطابقة قول عمر للترجمة، أنه جعل السيادة من ثمرات العلم، وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة، وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه، فإنه سبب لسيادته، كذا قال. والذي يظهر أن مراد البخاريّ أن الرياسة وإن كانت مما يغبط بها صاحبها في العادة، لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون إلا بأحد أمرين: العلم أو الجود، ولا يكون الجود محمودًا إلا إذا كان بعلم، فكأنه يقول: تعلموا العلم قبل حصول الرياسة لتغبطوا، إذا غبطتم، بحق، ويقول أيضًا: إن تعجلتم الرياسة التي من عادتها أن تمنع صاحبها من طلب العلم، فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية. وليس قول عمر، -رضي الله عنه-، هنا من تمام الترجمة إلا أنْ يقال كما قال الكَرَماني، أن الفعل مؤول بمصدر، والتقدير باب الاغتباط وقول عمر، وهذا مردود بأن تأويل الفعل بالمصدر، لا يكون إلا بوجود "أنْ" المصدرية. وأتى البخاريّ بقوله: وقد تعلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، في كبر سنهم، تأكيدًا للسابق. ووجهه ظاهر، فإن كثيرًا من أصحابه عليه الصلاة والسلام، لم يسلم إلا بعد كبر السن، كأبي بكر وعمر والعباس وغيرهم، رضي الله تعالى عنهم.
أما عمر فقد مر في الأول من بدء الوحي، وأما الأثر الذي علقه، فقد أخرجه أبو عمر بإسناد صحيح، والجَوْزيّ في كتابه، ورواه ابن أبي شَيْبة بسند منقطع، والبَيْهَقيّ في كتابه "المَدْخَل".