سمعت شيئًا قط إلا حفظته، وما حفظت شيئًا قط فنسيته. وقال أبو حاتم: ذكرت لأبي زُرعة إسحاق وحفظه للأسانيد والمتون فقال أبو زرعة: ما رؤي أحفظ من إسحاق. وقال إبراهيم بن أبي طالب: أملى المسند كله منْ حفظه مرة، وقرأه من حفظه مرة، وقال أبو حاتم: والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ. وقال أحمد بن سلمة: قلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه، فقال أبو حاتم: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها.
وقال ابن حبان في "الثقات": كان إسحاق من سادات أهل زمانه فقهًا وعلمًا وحفظًا وصنف الكتب، وفرع على السنن, وذَبَّ عنها، وقمع من خالفها. وقد ناظر الشافعيّ في مسألة جواز بيع دُور مكة، وقد استوفى الشيخ فخر الدين الرَّازِيَّ صورة ذلك المجلس الذي جرى بينهما في كتابه الذي سماه "مناقب الإِمام الشافعي" رضي الله تعالى عنه، فلما عرف فضله، نسخ كتبه، وجمع مصنفاته بمصر.
وراهويه بفتح الراء بعدها الف وبعد الألف هاء ساكنة، ثم واو مفتوحة ثم ياء مثناه من تحت بعدها هاء سكت، هكذا ضبطه ابن خِلِّكان، وضبطه العينيّ بفتح الهاء والواو وسكون الياء والهاء الاخيرتين، وبضم الهاء ممدودة. وفتح الياء آخر الحروف، وضبطه ابن خِلِّكان بهذه الأخيرة أيضًا. وإنما لقب بهذا الاسم لأنه ولد في طريق مكة، والطريق يقال لها بالفارسية "رواه" و"ويه" معناه "وجد"، فكأنه وجد في الطريق. وروي عنه قال: قال لي عبد الله بن طاهر أمير خراسان: لِمَ قيل لك ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك هذا؟ قلت: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في الطريق، فقالت المرَاوِزَةُ راهوَيْه؛ لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره ذلك، وأما أنا فلست أكره ذلك.
روى عن ابن عُيينة وابن عِلْيه وجَرير وبشر بن المُفَضّل وابن المُبارك