السّابق، فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة، وبرفعه آخرها، أو أطلقت القلة وأريد بها العدم، كما يطلق العدم ويراد به القلة، وهذا أليق لاتحاد المخرج، ومجيء القلة بمعنى العدم كثير في لغة العرب، قال الشاعر:
أُنيخت فأَلقتْ بلدةً فوق بلدةٍ ... قليل بها الأصواتُ إلا بُغامها
أي: لا صوت بها أصلاً. وقوله:"وتكثر النساء" قيل: سببه أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقيل هو إشارة إلى كثرة الفتوح، فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات، وفيه نظر لتصريح المصنف بالعلة، في الزكاة، في حديث أبي موسى، فقال: من قلة الرجال وكثرة النساء، فالظاهر أنها علامة محضة لا لسبب، بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسب لظهور الجهل ورفع العلم.
وقوله:"لخمسين" يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازًا عن الكثرة، ويؤيده أن في حديث أبي موسى "وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة" وقوله: "القيّم الواحد أي: من يقوم بأمرهن، والسلام للعهد إشعارًا بما هو معهود، من كون الرجال قوامين على النساء. ويحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن، سواء كنَّ موطوءات، أم لا. ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقوله: الله الله، فيتزوج الواحد بغير عدد، جهلاً بالحكم الشرعيّ. قال في "الفتح": وقد وجد ذلك في بعض أمراء التُّرْكمان، وغيرهم، من أهل هذا الزمان مع دعواه الإِسلام، قلت: بل وجد في زماننا هذا في بلاد العرب من عنده نحو خمس عشرة امرأة، غير مبالٍ بالشريعة، والعياذ بالله تعالى.
وكأَن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأُمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي الدين؛ لأن رفع العلم