فوضعته بقُباء، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، ثم إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل. وكانت تلقب بذات النَّطاقين، سماها النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك؛ لأنها هيأت له لما أراد الهجرة سُفْرة فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدت بنصفه السفرة واتخذت النصف الآخر نطاقًا. هكذا قال ابن إسحاق.
وروت فاطمة بنت المُنذر عنها إنها قالت: صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد السفر، فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: ما أجد إلا نطاقي، فقال: شقيه باثنين واربطي بواحد منهما السقاء، وبالآخر السفرة، وقال الزبير بن بكار: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة، فقيل لها: ذات النطاقين.
وروى ابن عبد البَرّ أنها قالت للحجّاج لما عَيَّر ابنها عبد الله بذات النطاقين: كيف تعيره بذلك، وقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، من النمل، ونطاقٌ لابد للنساء منه. ولما بلغ ابن الزبير أنه يعيّره بابن ذات النطاقين، انشد قول (أبي ذؤيب) الهُذَليّ متمثلا به:
فإنْ اعتذر منها فإني مكَذَّب ... وإن تعتذرْ يُرْدَدْ عليك اعتذارها
ولما قتل ابنها وصلب، دخلت على الحجاج، وهي عجوز مكفوفة البصر، فقالت له أما آن لهذا الراكب أن ينزل قال لها: المنافق؟ قالت: لا، والله ما كان منافقًا، وقد كان صوَّامًا قوّامًا. قال: اذهبي، فإنك عجوز قد خَرِفت فقالت: لا والله ما خرفت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"يخرج في ثقيف كَذّاب ومُبِير"، فأما الكذّاب فقد رأيناه، وأما المُبير فهو أنت فقال الحجاج: منه المنافقون.
وكانت رضي الله عنها، تُصْدع فتضع يدها على رأسها، وتقول: