وَأوْجِبنَّها لغَيْر ما ذُكِرْ ... إمَّا اتِّفاقًا أو عَلى الّذي شُهرْ
وقوله:"وَإنما لِكُلِّ امرىءٍ ما نَوَى" وكذا لكل امرأة، لأنّ النساء شقائق الرجال، وفي "القاموس": والمرء مثلثه الميم الإِنسان أو الرجل، وعلى الأول يكون متناولًا للنساء، وفيه لغتان، حالة التذكير والتأنيث، بهمز الوصل وحذفها، امرء وامرأة ومرء ومرأة، وفي المذكر الذي فيه همز الوصل غريبة، وهي أن عينه تابع للامه في حركات الإِعراب الثلاث، فهو معرب من مكانين، و"ما" في قوله "ما نوى" يحتمل أن تكون موصولة، و"نوى" صلتها، والعائد محذوف أي الذي نواه، أو مصدرية ولا حذف أي لكل امرئ نيته.
وفي هذه الجملة نوعان من الحصر: قصر المسند على المسند إليه، لأنّ المقصور عليه في "إنما" دائمًا المؤخر، وتقديم الخبر على المبتدأ، وهو يفيد الحصر، واستشكل الإِتيان بهذه الجملة بعد السابقة، لاتحاد الجملتين، وأجيب بأن الثانية في حصول الثواب، فالأولى: نَبَّهتْ على أن الأعمال لا تفسير معتبرة إلا بالنية، والثانية: على أن العامل يكون له ثواب العمل على مقدار نيته، ولهذا أخرت عن الأولى لترتيبها عليها، وَتُعُقّبَ بأن الأعمال حاصلة بثوابها للعامل لا لغيره، فهي عين معنى الجملة الأولى.
قلت: ويظهر لي مما تقدم من أن الأعمال المشترطة فيها النية يحصُل فيها الثواب، وإن لم يُقْصَدِ الامتثال، والتي لا تشترط فيها النية لا يحصل فيها الثواب إلا بنية الامتثال جواب حسن، فتكون هذه الجملة الثانية مفيدة للعموم، في أن كل عمل لا بد فيه من النية، إما شرطًا في صحته، وإما لتحصيل الثواب فيه، وتكون الأولى خاصة بالأعمال التي لا تَصِحُّ إلا بالنية بدليل تقديرهم صحيحة أو مجزئة، فأفاد الحديث الأمرين السابقين، وهذا عندي أنه أحسن ما يجاب به عن هذا الإشكال، والله تعالى أعلم.