للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبعيضيّة على الثاني، ولعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه صلى الله تعالى عليه وسلم، بقوله: "وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعةً لأُمتي في الآخرة"، وقوله: "من قال لا إله إلا الله" أي: احترازًا من الشرك. والمراد مع قوله "ومحمد رسول الله" لكن قد يكتفى بالجزء الأول من كلمتي الشهادة, لأنه صار شعارًا لمجموعها، كما مر في الإِيمان. ومن خبر المبتدأ الذي هو أسعد موصولة، أي: الذي.

قال: وقوله: "خالصًا من قلبه أو نفسه" شك من الراوي. وفي رواية "مخلصًا" وهذا احترازٌ من المنافق. وفي رواية في الرقاق "خالصًا من قبل نفسه" أي: بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: قال ذلك باختياره. وفي رواية أحمد، وصححه ابن حبان، عن أبي هريرة نحو هذا الحديث. وفيه "لقْد ظننت أنك أولُ من يسألني عن ذلك من أمتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا اله إلا الله مخلصًا يصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه" وإنما قال "من قلبه" مع أن الإخلاص محله القلب للتأكيد، وذلك لأن إسناد الفعل إلى الجارحة أبلغ في التأكيد، كما في قوله {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] وقد استشكل التعبير بأفعل التفضيل في قوله "أسعد" إذ مفهومه أنَّ كلا من الكافر الذي لم ينطق بالشهادة، والمنافق الذي يظن بلسانه دون قلبه، يكون سعيدًا. وأجيب بان أفعل هنا ليست على بابها, بل بمعنى سعيد الناس. ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها، وأن كل أحد تحصل له سعادةٌ بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم يشفع للخلق في إراحتهم من هول الموقف، وهذه سعادة عامة للخلق، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب، كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخلوها، بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها، فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص.

<<  <  ج: ص:  >  >>