الفيء سير أبي بكر الصديق في القسم، وإذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما عجز عن قسمه في يومه ذلك، ويقول: يا دنيا غرّي غيري، ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء، ولا يخص به حميمًا، ولا قريبًا ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والامانات وإذا بلغه عن أحدهم خيانة، كتب إليه:{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}[يونس: ٥٧] {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: ٨٥، ٨٦]، إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يستلمه منك. ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم. ولا بترك حقك.
وقال مُجَمع التيمي: إنَّ عليًا قسَّم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر بكنسه فكُنس، ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وحدث عمرو بن العلاء عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقول: ما أصبت من فيئكم إلاَّ هذه القارورة، أهداها إلى الدُّهْقان، ثم نزل إلى بيت المال ففرق كل ما فيه، ثم جعل يقول: أفلح من كانت له قوْصَرة يأكلُ منها كل يوم مرة.
وأما تقشّفه في لباسه ومطعمه، فاشهر من هذا كله، فعن أبي الهُذَيل قال: رأيت عليًا خرج وعليه قميصٌ غليظ دارسٌ، إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد. وقال جُرْمُوز: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطَريَّتان متزرًا بالواحدة مرتديًا بالأخرى، وازراه إلى نصف الساق، وهو يطوف في الأسواق، ومعه درَّة يأمرهم بتقوى الله، وصدق الحديث، وحسنُ البيع، والوفاء بالكيل والميزان. وعن أبي حيان التيميّ عن أبيه أنه قال: رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا، فلو كان عندي ثمن إزارٍ ما بعته، فقام إليه رجلٌ فقال: نُسْلِفك ثمن إزار. وكانت