العمل يكون منتفيًا إذا خلا عن النية، ولا تصح نية فعل الشيء إِلا بعد معرفة حكمه.
وعلى أن الغافل لا تكليف عليه، لأنّ القصد يستلزم العلم بالمقصود، والغافل غير قاصد.
وعلى أن من صام تطوعًا بنية قبل الزوال -عند من يجيز ذلك- لا يُحسب له إلا من وقت النية، وهو مقتضى الحديث، لكن تَمَسَّكَ مَنْ قال بانعطافها بدليل آخر، ونظيره حديث:"من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها"، أي أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت، وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى.
وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة، ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئًا لا تمكن غفلتهم عنه، ولم يذكُرْه غيره إن ذلك لا يقدح في صدقه، خلافًا لمن أعلَّ بذلك، لأنّ عَلْقَمَةَ ذكر أن عمر خطب به على المنبر، ثم لم يصحَّ من جهة أحد عنه غير علقمة.
واستدل بمفهومه:
على أن ما ليس بعمل لا تشترط فيه النية، ومن أمثلة ذلك جمع التقديم، فإن الراجح من حيث النظر أنه لا تشترط فيه النية، بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية، وخالفهم شيخ الإِسلام البُلْقيني، وقال: الجمع ليس بعمل، وإنما العمل الصلاة، ويقوي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تَبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه، ولو كان شرطًا لأعلمهم به قلت: مذهب مالك أنه ليس بشرط.
واستُدِلَّ به: على أن العمل إذا كان مضافًا إلى سبب، ويجمع متعدده جنس، أن نية الجنس تكفي، كمن أعتق عن كفارة، ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره، لأنّ معنى الحديث أن الأعمال بنياتها، والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة، وهو غير محوج إلى تعيين