يعود على المقتول المفهوم من قوله سابقًا "فمن قتل" أي: يؤخذ له القود، فالفعلان مبنيان للمجهول، أو يكون "أهل" نائب على جعل "يقاد" بمعنى "يمكن"، وهمزة إما التفصيلية مكسورة، وأن المصدرية مفتوحة. وفي رواية لمسلم "إما أن يفادي" بالفاء وزيادة ياء بعد الدال.
والصواب أن الرواية على وجهين، من قالها بالقاف قال قبلها: إما أن يُعقل من العَقْل وهو الدية. ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها: إما أن يُقْتَل بالقاف والمثناة، والحاصل في تفسير "النظرين" بالقصاص أو الدية. وفي الحديث أن ولي الدم يخير بين القصاص والدية. واختلف إذا اختار الدية، هل يجب على القاتل إجابته، فذهب الأكثر إلى ذلك. وعن مالك وأبي حنيفة والثَّوْريّ: لا يجب إلا برضى القاتل.
واستدل الجمهور بأن ظاهر هذا الحديث أن المخير في القود أو أخذ الدية هو الوَليّ وقرره الخطابيّ بأن العفو في الآية في قوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة: ١٧٨] إلخ يحتاج إلى بيان, لأن ظاهر القصاص أن لا تبعة لأحدهما على الآخر، لكن المعنى أن من عُفِي عنه من القصاص إلى الدية، فعلى مستحق الدية الاتباع بالمعروف، وهو المطالبة، وعلى القاتل الأداء، وهو دفع الدية بإحسان.
وقد فسر ابن عباس العفو بقبول الدية في العمد، وقبول الدية راجع إلى الأولياء الذين لهم طلب القصاص، وقالوا: إنما لزمت القاتل الدية بغير رضاه, لأنه مأمور بإحياء نفسه، لعموم قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩] فإذا رضي أولياء المقتول بأخذ الدية لم يكن للقاتل أن يمتنع. واستدل مالك ومن وافقه بأن قوله تعالى {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} إشارة إلى أن أخذ الدية لم يكن في بني إسرائيل، بل كان القصاص متحتمًا، وشريعة عيسى لم يكن فيها قصاص، وإنما كانت فيها الدية خاصة، فخفف الله عن هذه الأمة بمشروعية أخذ الدية إذا رضي أولياء المقتول والقاتل، وليس في شيء من الأدلة ما يدل على إكراه القاتل على