وفي رواية شعيب "فما نسيت من مقالته تلك من شيء". وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط، وقد صرح التِّرمْذِي في الجامع، وأبو نعيم في "الحلية" بتلك المقالة من طريق أخرى عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا مما فرض الله، فيتعلمهنَّ ويُعلِّمهنَّ إلا دخل الجنة" لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هُريرة نبه به على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان: فالتي رواها الزُّهْري مختصة بتلك المقالة، والتي رواها سعيد المَقْبَريّ عامة.
وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة، لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه، ثم تخلف عنه ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم وفي "المستدرك" للحاكم عن زيد بن ثابت قال: كنت أنا وأبو هريرة وآخر، عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: ادعوا، فدعوت أنا وصاحبي، وأمَّنَ النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللَّهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي، وأسألك علمًا لا ينسى فأمَّن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلنا: ونحن كذلك يا رسول الله، فقال: سبقكما الغلام الدَّوْسِيّ.
وهذا الحديث أخرجه النَّسائِيّ بإسناد جيد، كما في الإصابة، بلفظ "إني أسألك ما سألك صاحباي، وأسألك علمًا لا ينسى" وفيه فقلنا: ونحن يا رسول الله نسألك علمًا لا ينسى ... الخ، ففي رواية النَّسائي سؤالُ العلم الذي لا ينسى من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وفي رواية الحاكم سؤاله من الله تعالى، والمخرج واحد، فتكون رواية الحاكم مفسرة لرواية النَّسائي، مبينة أن كل ما وقع سؤاله من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو غيره من المخلوقين، مما لا قدرة للمخلوق على إعطائه، كالعلم، إنما