الله تعالى عليه وسلم: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، وابتُغي به وجهه ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معًا على حد واحد، فلا يخالف المرجح أولًا، فتصير المراتب خمسًا: أن يقصد الشيئين معًا أو يقصد أحدهما صِرْفًا، أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنًا. والمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمنًا، وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان، وهذا ما دل عليه حديث أبي موسى، ودونه أن يقصدها معًا، فهو محذور أيضًا على ما دل عليه حديث أبي أمامة، والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفاً، وقد يحصل غير الإعلاء، وقد لا يحصل، ففيه مرتبتان أيضًا.
قال ابن أبي جمرة: المحققون على أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه، ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصلي -ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حُوالة قال:"بعثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم شيئًا، فقال: اللهم لا تَكِلْهم إلى .. " الحديث، ويدخل فيه من قاتل لطلب الثواب ورضاء الله ودحض أعدائه، فإنه من إعلاء كلمة الله تعالى. وقد مر بعض الكلام على هذا المنزع في حديث "إنما الأعمال بالنيات" وفي إجابة النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كلمِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع زيادة عليه، ولو أجاب السائلَ بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله، احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله، وليس كذلك، فعدل إلى لفظ جامع، عدل عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل، فتضمن الجواب وزيادة. ويحتمل أن يكون الضمير في قوله "فهو" راجعًا إلى القتال الذي في ضمن "قاتل" أي: فقتاله قتال في سبيل الله.
والحاصل أن القتال منشؤه القوة العقلية، والقوة الغضبية، والقوة الشَّهوانية. ولا يكون في سبيل الله إلا الأول. وقال ابن بطّال: إنما عدل