وقوله "دخل الجنة" أي وإن لم يعمل صالحًا، إما قبل دخوله النار أو بعده بفضل الله ورحمته، وليس في قوله هنا "دخل الجنة" من الإِشكال ما مرّ في قوله "حرمه الله على النار"؛ لأن هذا أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده كما علمت. قال النّووي: مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة، وإن من مات موقنًا بالشهادتين، دخل الجنة، فإن كان دَيِّنًا أو سليمًا من المعاصي، دخل الجنة برحمة الله تعالى، وحرِّم على النار، وإن كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها، وارتكاب النواهي أو بعضها، ومات من غير توبة فهو في خطر المشيئة، وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد، إلاَّ أن يشاء الله أن يعفو عنه، فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة، وحينئذ فمعنى قوله "دخل الجنة" لكنه قبل ذلك إن مات مصرًا على المعصية في مشيئة الله.
وقوله "حرمه الله على النار" أي: إلا أن يشاء الله، وقوله "لا أخاف أن يتكلوا" هي للنهي، ليست داخلة على أخاف، بل المعنى لا تبشرهم، ثم استأنف، فقال: أخاف، وفي رواية كريمة "إِني أخاف" بإثبات التعليل، وللحسن بن سفيان في مسنده عن مُعْتمر قال: لأدعهم، فليتنافسوا في الأعمال، فإنى أخاف أن يتنافسوا وإخبار معاد به عند موته مخافة من الإِثم المرتب على الكتمان كما مر، وكأنه فهم من منع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخبر بها إخبارًا عامًا، لقوله: أفلا أبشر الناس؟ فأخذ هو أولًا بعموم المنع، فلم يخبر بها أحدًا، ثم ظهر له أن المنع إنما هو من الإخبار بالعموم، فبادر قبل موته، فأخبر بها خاصًا من الناس، فجمع بين الحكمتين. ويقوّي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص لما أخبر هو بذلك، وأُخذ منه أن من كان مثل مقامه في اللهم إنه لم يمنع من إخباره.
وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه فيه انقطاع عن