الشروع، كتشمير ثيابه مثلًا، وهذا مذهب الجمهور، وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه. ومن يجيز مطلقًا كما نُقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل. كذا قال في "الفتح".
قلت: ما نسبه لمالك لم أجد نسبته له في كتب المذهب عندنا، وإن ثبتت نسبته له فلعله كول ضعيف جدًّا لا يُلتفت إليه، فمذهب المالكية كمذهب الجمهور: المحلُّ المعَدُّ لقضاء الحاجة يُكره فيه الذكر غير القرآن، ويحرم فيه القرآن، وغير المعد لها يجوز فيه الذكر ما لم يجلس لقضائها، وقيل: ما لم يخرج منه الحدث، ويزيل عند دخول المعد لها ما فيه كتابة ذِكرٍ ندبًا في غير القرآن، ووجوبًا في القرآن، إلا أن يكون حرزًا مستورًا، أو خاف عليه الضياع.
ولم يذكر المؤلف ما يُقال بعد الخروج منه, لأنه ليس على شرطه. وفيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند ابن حِبّان وابن خُزيمة في "صحيحيهما": كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال: "غفرانَك"، وحديث أنس عند ابن ماجه إذا خرج من الخلاء قال:"الحمد لله الذي أذهبَ عني الأذى وعافاني" وحديث ابن عبّاس عند الدّارقُطني مرفوعًا: "الحمد لله الذي أخرجَ عني ما يُؤذيني، وأمسك عليَّ ما ينفعني"، وحديث ابن عمر عند الدّارقُطني مرفوعًا:"الحمد لله الذي أذاقني لذَّته وأبقى عليَّ قوَّته، وأذهب عني أذاه"، وأصح شيء في هذا الباب حديث عائشة.
والحكمة في قوله:"غفرانك" مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن متلبِّسًا بشيء يستوجب طلب المغفرة، هو أنه عليه الصلاة والسلام لما كان ممنوعًا في تلك الحالة من الذكر اللساني، عدّ ذلك كأنه مما يُوجب الاستغفار في حقه، لأنه دائمًا مشتغل القلب واللسان بذكر الله، وهذا من باب ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقيل: إنه لشكر النعمة التي أنعم عليه بها إذ أطعمه وهضمه، فحق على مَنْ خرج سالمًا مما استعاذه منه أن يؤدي شكر النعمة في إعاذته واجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعمة، ولهذا ورد في بعض الأحاديث المارة الحمد لله ... الخ.