قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دِلالة على الاستثناء المذكور، وأجيب بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه تمسك بحقيقة الغائط, لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يُطلق على كل مكان أعدَّ لذلك مجازًا، فيختصُّ النهي به إذ الأصل في الإِطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي، وهو أقواها. وإذا أريد لفظ الغائط في الحديث لم تحصل دلالة الحديث على الاستثناء المذكور، اللهم إلا أن يُراد أن البخاري تمسك بحقيقة الغائط في الحديث، واستثنى البناء لانتفائه في الفضاء، فيمكن حينئذ.
قلت: كيف يصح أن يُراد بالغائط هنا المكان المطمئن، مع مصاحبته للبول، والنهي عن الاستقبال به، فهذا بعيد جدًّا.
ثانيها: أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عُرفًا، ويتقوى بأن الأمكنة المعدة ليست صالحة لأن يُصَلّى فيها، فلا يكون فيها قبلة بحال، وتُعُقِّب بأنه يلزم منه أن لا تصح صلاة مَنْ بينَه وبين الكعبة مكان لا يصلُحُ للصلاة وهو باطل.
ثالثها: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عُمر المذكور في الباب الذي بعد، لأن حديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كله كأنه شيء واحد، كما أن القرآن كله كالآية الواحدة قاله ابن بطّال، وارتضاه ابن التّين، لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى. وقيل: إن الحديث عنده عامٌّ مخصوص، فيتجه الاستثناء.
فإن قيل: لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان، لاسيَّما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما. لأنه قال كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة:"فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيضَ بُنِيَت قِبَلَ القبلة، فننحرف ونستغفر"؟