خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهنَّ كشف ذلك في شهادة ولا غيرها, ولا إظهار شخوصهن وان كن مستترات إلا ما دَعَت إليه ضرورة من براز، ثم استدل بما في "الموطأ": أن حفصة لما توفي عمر ستَرَها النساء عن أن يُرى شخصها. وأن زينب بنت جحش جُعلت لها القبة فوق نعشها ليُستر شخصُها.
قال في "الفتح": ليس فيما ذكره دليل على ما ادّعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كنَّ بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يحجُجْنَ ويطُفْن، وكان الصحابة ومن بعدَهم يسمعون منهنَّ الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد جاء في الحج قول ابن جُرَيْج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب.
قلت: ما اعترض به لا اعتراض به ولا دليل له فيما ذكر، فإن قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب: ٥٣]، كاف للقاضي عياض في منع رؤية أشخاصهن، فقد قال كثير من المفسرين في قوله تعالى:{مَتَاعًا} أي: حاجة ما، فتوى أو عارية أو شيئًا من الموافق. وقد قالوا: إن هذه الآية دالة على أن مكالمتهن من وراء حجاب لا تجوز إلا في حادثة تعرِضُ أو مسألة يُستَفْتى بها، وإذا كان الكلام من وراء الحجاب بهذه المثابة فكيف تجوز رؤية أشخاصهنَّ، ولم يُروَ عن أحد من الصحابة والتابعين أنه روى عنهنَّ بدون حجاب، وأما طوافُهن وسعيُهنَّ فذلك لضرورة العبادة التي لا تمكن إلا به، ولم يوجد في السنة إخلاء المطاف والمسعى لأحد، إذ لا اختصاص لأحد به دون أحد في وقت من الأوقات، فلا يمكن أن يقال بإخلاء المطاف لهن حتى لا تُرى أشخاصهن.
وفي الحديث مَنْقَبة كبيرة لعمر، وهذا أحد المواضع الأحد عشر التي وافق عمر فيها نزول القرآن.
وفيه أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهنَّ الحاجة إليه من مصالحهن.
وفيه مراجعة الأدنى للأعلى فيما يتبين له أنه الصواب، وحيث لا يقصد التَّعنُّت.