من الليل" وفي الأخرى: "إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح" وللترمذي من وجه صحيح مثل الأولى، لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة.
قال الرافعي في "شرح المسند" يمكن أن يقال: الكراهة في الغمس لمن نام ليلًا أشد منها لمن نام نهارًا, لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة.
وقوله: "فلْيغسِل يده" أي: بالإفراد، ثم الأمر عند الجمهور على الندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار. والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك, لأن الشك لا يقتضي وجوبًا في هذا الحكم استصحابًا لأصل الطهارة. واستدل أبو عَوانة على عدم الوجوب بوضوئه -صلى الله عليه وسلم- من الشَّن المعلق بعد قيامه من الليل كما يأتي في حديث ابن عباس، وتُعُقّب بأن قوله: "أحدكم" يقتضي اختصاصه بغيره -صلى الله عليه وسلم-. وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز.
قلت: وضوءه عليه الصلاة والسلام من الشَّن لا دليل فيه على عدم الوجوب، ولا ترك فيه للمأمور به, لأنه ليس فيه ترك الغسل قبل الإدخال في الإناء الذي هو موضوع الحديث.
وحمل مالك الأمر على التعبد لما في رواية مسلم وأبي داود وغيرهما: "فليغسلهما ثلاثًا" وفي رواية: "ثلاث مرات" قائلًا: إن التقييد بالعدد دالٌّ على التعبد كما قال في غسل الإناء بولوغ الكلب, لأن غسل النجاسة إنما تُطلب منه إزالة عين النجاسة وحكمها بأي عدد كان.
ولا تزول الكراهة بدون الثلاث عند الشافعي، وهي المطلوبه عند كل وضوء، لكن عندنا معاشر المالكية الكراهة تزول بغسلة واحدة، والثلاثة مستحبة على أحد قولين مرجحين، والثاني موافق لهم.
واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضرَّ الماء، خلافًا لداود وإسحاق