وقال المنذري: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، ثم تقبل وتدبر في المسجد، إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غَلَقٌ. قال: ويبعد أن تُترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول. وتُعقِّب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهرة.
قلت: وأيضًا ما أبداه من التأويل غير مستقيم، فكيف يصح في أفعال متعاطفة بالواو، مجتمعة في متعلق واحد، أن يُجعل أحدها مفصولًا عن ذلك المتعلق، متعلقًا بمحذوف من غير دليل على ذلك.
قال في "الفتح": والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجعل الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في هذا الحديث عن ابن وَهْب عن ابن عمر قال: كان عمر يقول بأعلى صوته: اجتنِبوا اللغوَ في المسجد. قال ابن عمر: وكنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت الكلاب ... إلى آخره. فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام.
وأما قوله:"في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فهو وإن كان عامًّا في جميع الأزمنة لأنه اسم مضاف، لكنه مخصوص بما قبل الزمن الذي أُمر فيه بصيانة المسجد.
وقوله:"فلم يكونوا يرشُّون شيئًا من ذلك" وفي رواية: "فلم يرشّوا" في ذكر الكون مبالغة ليست في حذفه كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}[الأنفال: ٣٣]، حيث لم يقل: وما يعذبهم. وكذا في لفظ الرش، حيث اختاره على لفظ الغسل؛ لأن الرش ليس فيه جريان الماء، بخلاف الغسل، فإنه يُشترط فيه الجريان، فنفي الرش أبلغ من نفي الغسل، ولفظ "شيئًا" أيضًا عامٌّ، لأنه نكرة في سياق النفي، وهذا كله مبالغة في طهارة سؤرة.
وقوىّ ابن بطّال الدِّلالة، فقال: لأن من شأن الكلاب أن تتبَّع مواضع المأكول، وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم إلاّ المسجد، فلا يخلو أن يصل