عن الحسن بن منصور، ومسلم في الصلاة عن محمد بن المثنّى وغيره، والنّسائي فيها أيضًا عنه.
وقَالَ أبو مُوسى: دَعَا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقَدَح فيهِ ماءٌ، فَغَسَلَ يَدَيهِ وَوَجْهَهُ فيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمّ قالَ لهما:"اشْرَبَا منِهُ وأفْرِغَا عَلى وُجُوهِكما وَنُحُورِكما".
وقوله:"مجَّ فيه"، أي: صب ما تناوله من الماء بفيه في الإناء، والغرض من ذلك إيجاد البركة في الماء بريقه المبارك.
وقوله:"ثم قال لهما" أي: لبلال وأبي موسى كما جاء مبيّنًا في المغازي، فإن أوله عن أبي موسى قال:"كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة ومعه بلال، فأتاه أعرابيٌّ" فذكر الحديث، فعُرف منه أن المبهَمَيْن هنا هما المذكوران.
وقوله:"اشربا وأَفْرِغا على وجوهكما، ونحورِكما" وهمزة "اشربا" همزة وصل من شرب وهمزة "أفرِغا" همزة قطع مفتوحة من الرباعي.
و"نحورِكما" جمع نحر، وهو موضع القِلادة من الصدر. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث استعماله عليه الصلاة والسلام الماء في غسل يديه ووجهه، وأمره لهما بشربه وإفراغه على وجوهكما، ونحورهما، فلو لم يكن طاهرًا لما أمرهما به.
واستدلَّ به ابن بطال على أن لُعاب الآدمي ليس بنجس كبقية شربه، وحينئذٍ فنهيه عليه الصلاة والسلام عن النفخ في الطعام والشراب إنما هو لئلا يُتَقَذَّر بما يتطاير من اللعاب في المأكول والمشروب لا لنجاسته.
وفي هذا الحديث من الحرص على التبرك بريقه -صلى الله عليه وسلم- زيادة على ما في الذي قبله؛ لأن الذي قبله كان التبرك فيه من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من قِبَل أنفسهم، وفي هذا الحديث الأمر منه -صلى الله عليه وسلم- لهم بذلك، وقصد فعله عليه الصلاة والسلام ذلك لهم للتبرك.