وقد اتفق العلماء على أن آية الوضوء المذكورة في المائدة كانت قبل غزوة تبوك. وثبت في "الصحيحين" عن جرير أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخُفين". زاد أبو داود: قالوا لجرير: إنما كان هذا قبل نزول المائدة. فقال جرير: وما أسلمتُ إلاَّ بعد نزول المائدة. وكان إسلام جرير متأخرًا جدًّا. وفي "سنن" البيهقي عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخُفَّين حديثًا أحسن من حديث جرير. وأما الأمر بالغَسْل فمحمولٌ على غير لابس الخُفِّ ببيان السنة.
وأما ما رُوي عن علي وعائشة وابن عبّاس من كراهة المسح فليس بثابت، بل ثبت في "صحيح" مسلم وغيره عن علي رضي الله تعالى عنه أنه روى المسح على الخف عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولو ثبت عن ابن عبّاس وعائشة ذلك لحُمِل على أن ذلك قبل بلوغهما جواز المسح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما بلغهما رجعا. وقد روى البَيْهقي معنى هذا عن ابن عباس.
وقوله:"وإن عبد الله بن عمر" معطوف على قوله: "عن عبد الله بن عمر" فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله، وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة.
وأخرجه أحمد عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: رأيت سعد بن أبي وقّاص يمسح على خُفَّيه بالعراق حين توضّأ، فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر، قال لي سعد: سَل أباك. فذكر القصة. ورواه ابن خُزَيْمة عن نافع عن ابن عمر نحوه، وفيه أن عُمر قال: كنّا ونحن مع نبيِّنا صلى الله تعالى عليه وسلم نمسح على خِفافِنا لا نرى بذلك بأسًا.
وقوله:"فلا تسأل عنه غيره" أي: لقوة الوثوق بنقله، ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفَّت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة، وقد يُفيد العلم عند البعض دون البعض. وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد، وما نقل عنه من