وقوله:"وما تنخَّم نُخامةً" أي: ما رمى بنخامة زمن الحديبية أو مطلقًا.
وقوله:"إلا وقعت في كفِّ رجل منهم" أي: ما تنخم في حال من الأحوال إلّا حال وقوعها في كف رجل منهم.
والنخامة -بضم النون- النُّخاعة، وقيل: بالميم، ما يخرُج من الفم، وبالعين ما يخرج من الحلق. وقيل: بالميم من الصدر، والبلغم من الدماغ.
وقوله:"فدلك بها وجهه وجلده" أي: تبركًا به عليه الصلاة والسلام وتعظيمًا وتوقيرًا.
واستُدل به على طهارة الريق ونحوه من فم طاهر غير متنجِّس، وحينئذ فإذا وقع ذلك في الماء لا ينجسه، ويُتوضأ به.
ونقل بعضهم الإِجماع على طهارة الريق، لكن روى ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النَّخَعي: إنه ليس بطاهر. وقال ابن حزم: صح عن سَلْمان الفارسي وإبراهيم النَّخَعي أن اللعاب نجِس إذا فارق الفم.
قلت: يمكن أن يكون انعقاد الإجماع وقع بعد هذين.
وزاد ابن إسحاق:"ولا يسقُط من شعره شيء إلا أخذوه"، ففي الحديث طهارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة.
ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عُروة، وبالغوا في ذلك، إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم، وكأنهم قالوا بلسان الحال: من يحبُّ إمامه هذه المحبة ويعظِّمه هذا التعظيم، كيف يُظن به أنه يَفِرَّ عنه ويُسلمه لعدوه؟ بل هم أشد اغتباطًا به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضًا بمجرد الرحم، فيُستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل وجه سائغ.
وهذا التعليق قطعة من حديث طويل ساقه البخاري بطوله في صلح الحديبية، والشروط في الجهاد، وقد علق منه موضعًا آخر مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس.