الوضوء تشريفًا لها، ولتحصُل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وظاهر قوله:"كما يتوضأ للصلاة" أنه يتوضأ وضوءً كاملًا، وهذا هو المحفوظ من حديث عائشة من هذا الوجه، وهو مذهب الشافعي، وأحد الأقوال عند المالكية. وقال الفاكهاني في "شرح العمدة": هو المشهور. وقيل: يؤخر غسل قدميه إلى ما بعد الغسل، ليحصُل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، وهو المشهور عند المالكية، خلافًا لما درج عليه خليل، حيث قال: أعضاء وضوئه كاملة مرة، وهو صريح حديث ميمونة الآتي قريبًا. وفي رواية مسلم عن أبي معاوية في حديث عائشة:"ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه"، وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية، إلاَّ أن لها شاهدًا من رواية أبي سلمة عن عائشة، أخرجه أبو داوود الطيالسي، فزاد في آخره:"فإذا فَرغَ غَسَلَ رجليه" فإما أن تُحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها: "وضوءه للصلاة" أي: أكثره، وهو ما سوى الرجلين، أو يُحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء، ويُحتمل أن يكون قولها في رواية أبي معاوية:"ثم غسل رجليه" أي: أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء، فيوافق قولها في حديث الباب:"ثم يُفيضُ على جلده كله". وللمالكية قول ثالث، وهو إن كان موضعه وسخًا أخر، وإلا فلا. وعند الحنفية إن كان في مستنقع يؤخر، وإلا فلا. ونقل ابن بطّال الإجماع على أن الوضوء لا يجبُ مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداوود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث.
وقوله:"ثم يُدخل أصابعه في الماء، فيخلِّل بها" أي: بأصابعه التي أدخلها في الماء، ولمسلم:"ثم يأخذ الماء فيُدْخل أصابعه في أصول الشعرة، وللترمذي والنسائي: "ثم يشرِّب شعرَهُ الماءَ".
وقوله: "أصول الشعر"، وللكُشميهني: "أصول شعره" أي: شعر رأسه، ويدل عليه رواية حمّاد بن سلمة عند البيهقي: "يخلِّل بها شِقَّ رأسه الأيمن، فيتتبَّعُ بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك"، والحكمة في هذا