واعتُرض هذا بأنه إنما يكون حيث يترتَّب على الفعل حكم، كفسخ النكاح، وأَما قصة موسى عليه الصلاة والسلام فليس فيها أمر شرعي ملزِم يترتب على ذلك، فلولا إباحة النظر إلى العورة لما أمكنهم موسى عليه الصلاة والسلام من ذلك، ولا خرج مارًّا على مجالسهم وهو كذلك. ويدُلُّ على الإباحة أيضًا ما وقع لنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفه بإشارة العباس عليه بذلك, ليكون أرفق به في نقل الحجارة، ولولا إباحته لما فعله، لكنه ألزم بالأكمل والأفضل لعلو مرتبته -صلى الله عليه وسلم-.
ومجرَّدُ تستُّرِ موسى عليه الصلاة والسلام لا يدُلُّ على الوجوب، لما قُرِّر في الأصول أن الفعل لا يدُلُّ بمجرده على الوجوب، وليس في الحديث أن موسى عليه السلام أمرهم بالتستُّر ولا أنكر عليهم التكشُّف.
وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خَلْوة، وخرج من الماءِ، ولم يجد ثوبه، تبع الحجر بناءً على أنه لا يصادِف أحدًا وهو عُريان، فاتَّفق أنه كان هناك قوم، فاجتاز بهم. كما أن جوانب الأنهار وإن خلت، غالبًا لا يُؤمن وجود قومٍ قريبًا منها، فبنى الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فأتَّفق رؤية من رآه، والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر، حتى وقف على مجلس من بني إسرائيل، كان فيهم من قال فيه ما قال، وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة، لم يقع ذلك الموقع.
وفي الحديث أن الأنبياء في خَلْقِهم وخُلُقِهم على غاية الكمال، وأن من نَسَبَ نبيًّا من الأنبياء إلى نقص في خِلْقته فقد آذاه، ويُخشى على فاعله الكفر.
قلت: بل هو مرتدٌّ في مذهب الإمام مالك.
وفيه أن الآدمي يغلب عليه طباع البشر؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقِلُ حتى ضربه، ويُحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير الضرب بالعصى في الحجر كما مر.