آخره بدل الياء، والحَثْيَة هي الأخذ باليدين جميعًا، وفي رواية بَشير بن نَهيك:"يلتقِط"، وفي حديث ابن عبّاس عند أبي حاتم:"فجعل أيّوب ينشُرُ طرفَ ثوبه فيأخذ الجراد، فيجعله فيه، فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية".
وهل كان الجراد حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب، أو كان على شكل الجراد وليس فيه روح، والأظهر الثاني.
وقوله:"فناداه ربه"، يُحتمل أن يكون بواسطة أو بإلهام، ويُحتمل أن يكون بغير واسطة كما كلَّم موسى.
وقوله:"قال: بلى وعزتك" أي: أغنيتني، ولو قيل في مثل هذه المواضع بدل بلى: نعم. كقوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف: ١٧٠]، لم يجُز، بل يكون كُفرًا؛ لأن بلى مختصّة بجواب النفي، وتصييره إثباتًا، ونعم مقرِّرة لما سبقها من نفي أو إثبات.
والفقهاء لم يفرِّقوا بينهما في الأقارير لأن مبناها على العرف، ولا فرق بينهما في العرف، ولا يُحمل هذا على المعاتبة، وإنما هو استنطاق بالحجة.
وقوله:"ولكن لا غنى بي عن بركتك" أي: خيرك، وغِنى بكسر الغين- والقصر من غير تنوين، على أن لا لنفي الجنس، ورُوي بالتنوين والرفع على أن لا بمعنى ليس، ومعناهما واحد؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، إلا أن الأولى توجب الاستغراق، والثانية تجوِّزه. وخبر لا، يُحتمل أن يكون: بي، أو: عن بركتك. وفي رواية بشير بن نَهِيك:"فقال: ومَنْ يشبعُ من رحمتك؟ أو قال: من فضلك".
ووجه الدلالة من حديث أيوب هذا أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عُريانًا، فدل على جوازه.
وفي الحديث جواز الحِرْص على الاستكثار من الحل الذي حق من وَثِق من نفسه بالشكر عليه. وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة.