ومن عجيب أمره ما حَدَّث به عنه لؤلؤ، خادم الرشيد، قال: جرى بين هارون الرشيد، وبنت عمه زُبَيْدَة بنت جَعْفر كلام، فقال هارون: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم ندم فجمع الفقهاء، فاختلفوا، فكتب إلى البلدان فأحضر علماءها، فلما اجتمعوا جلس لهم، فاختلفوا، فسألهم فاختلفوا، وبقي شيخ لم يتكلم، وكان في آخر المجلس، وهو اللَّيث بن سعد، قال: فسأله، قال: إذا أخلى أمير المؤمنين مجلسه كلمته، فصرفهم، فقال: يدنيني أمير المؤمنين فأدناه، فقال: أتكلم على الأمان، قال: نعم، فأمر بإحضار مصحف، فأحضره، قال تصفحه يا أمير المؤمنين حتى تصل إلى سورة الرحمن، فاقرأها، ففعل، فلما انتهى إلى قوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن: ٤٦] قال: أمسك يا أمير المؤمنين! قل: والله إني أخاف مقام ربي، قال: فاشتد ذلك على هارون الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين! العهد أملك، فحلف هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين! هما جنتان وليستا بجنة واحدة، قال: فسمعنا التصفيق من وراء الحجاب، والفرح، فقال له الرشيد: أحسنت وأمر له بالجوائز، والخِلع، وأمر له بإقطاع الجيزة، ولا ينصرف أحد بمصر إلا بأمره، وصرفه مكرمًا. وعن عبد الله بن صالح قال: سمعت اللَّيث بن سعد يقول: لما قدمت على هارون الرشيد، قال: يا ليث! ما صلاح بلدكم؟ قلت يا أمير المؤمنين! صلاح بلدنا إجراء الليل، وصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكَدَرُ، فإذا صفا رأس العين صفت العين، قال: صدقت يا ليث.
قال ابن حَجَر: تتبعت كتب الخلاف كثيرًا، فلم أطلع فيها على مسألة واحدة انفرد فيها الليث عن الأئمة، من الصحابة والتابعين، إلا في مسألة واحدة، وهي أنه كان يرى تحريم أكل الجراد المَيِّت، وقد نُقل ذلك عن بعض المالكيين، قلت: مشهور مذهبنا أعني معاشر المالكية أن لا تُؤْكَلَ ميتته، ولا بد له من ذكاة، ولكن ذكاته بما يموت به، ولو لم يُعَجَّل موته، كقطع الجناح، وقد ألف ابن حَجَر العَسقَلاني رسالة،