بنات آدم كتب عليهن الحيض إسرائيلياتٍ كُنَّ أو غيرهن، وقد مرَّ في حديث ابن عباس التصريح بأن أول ابتداء الحيض كان على حواء.
وأخرج الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}[هود: ٧١] أي: حاضت. والقصة متقدمة علي بني إسرائيل بلا ريب.
قال في "الفتح": ويمكن أن يُجمع بينهما مع القول بالتعميم، بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مُكْثِه بهنَّ عقوبة لهن لا ابتداء وجوده.
وتعقبه العيني فقال: كيف يقول: لا ابتداء وجووه. والخبر فيه:"أول ما أرسل". وبينه وبين كلامه منافاة، وأيضًا: من أين وردَ أن الحيض طال مكثه على نساء بني إسرائيل، ومن نقل هذا.
قلت: هذا الاعتراض ساقط، فإن قوله في الحديث:"أول ما أرسل" لا منافاة فيه لما قال، بل فيه دلالة له؛ لأن الإرسال عبارة عن الانطلاق، والانطلاق فيه دلالة على الكثرة، والكثرة تستلزم طول المكث، والتوفيق بين الأحاديث لا يشترط فيه النفل، بل يحصُل بما هو ممكن مما يزيل التعارض كما هو مقرر في علم الأصول.
وأجاب العيني بأنه يمكن أن الله تعالى قطع حيض نساء بني إسرائيل عقوبةً لهُن ولأزواجهن لكثرة عنادِهم، ومضت على ذلك مدة، ثم إن الله رحمهم وأعاد حيض نسائهم الذي جعله سببًا لوجود النسل، فلما أعاده عليهم كان ذلك أول الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع، فأطْلَق الأولية عليه بهذا الاعتبار؛ لأنها من الأمور النسبية.
قلت: هذا الجواب ظاهر السقوط لما فيه من البُعد من انقطاع الحيض وإعادته، فما في الأحاديث دلالة على أنه انقطع بعد أن حصل، ولما فيه أيضًا من منافاة الحديث، فإن الحديث فيه أن الحيضَ أُرسل عقوبة لنساء بني إسرائيل، وهو قال: إن هذا الابتداء والإرسال كان رحمة لهن.