إن ثبت أن التهجد كان واجبًا عليه، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلاّ بعد دخول الوقت، لقوله في رواية عمرو بن الحارث، بعد قوله "وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد"، وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية الوضوء، ولهذا استعظموا إقامتهم على غير ماء، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
قلت: الاستعظام يمكن أن يكون لأجل الاحتياج إلى الماء في الشرب وغيره، وكذلك ما وقع في أبي بكر. وقال ابن عبد البَرّ: معلوم عند الجميع أهل المغازي أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ منذ افترضت الصلاة عليه إلاّ بوضوء، ولا يدفع ذلك إلاّ جاهل أو معاند. قال: وفي قوله في هذا الحديث "آية التيمم" إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم العلم به، ليكون فرضه متلواً بالتنزيل. وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديمًا، فعلموا به الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة. وإطلاق آية التيمم على هذا، من تسمية الكل باسم البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث التي مرَّ أن المصنف أخرجها في التفسير، تدل على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر.
وقوله: فأنزل الله آية التيمم، قال ابن العربيّ: هذه معضلةٌ ما وجدت لدائها من دواء؛ لأنا لا نعلم أنّ الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبيّ: هي آية النساء، ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحديّ في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضًا، وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرّح فيها بقوله: فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ... الآية}[المائدة: ٦]. وقوله {فَتَيَمَّمُوا} يحتمل أن يكون خبرًا عن فعل الصحابة، أي فتيمم الناس حين نزلت الآية. ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية. وهو الأمر في قوله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء: ٤٣] بيانًا