وقيل: إنما أخّر عليه الصلاة والسلام الصلاةَ لاشتغالهم باحوالها. وقيل: تحرزاً من العدو. وقيل: انتظارًا لما نزل عليه من الوحي، وقيل: ليستيقظ من كان نائمًا، وينشط من كان كسلانًا.
وروي عن ابن وهب وغيره، أن تأخير قضاء الفائتة منسوخٌ بقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: ١٤] وفيه نظر؛ لأن الآية مكية والحديث مدنيّ، وكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟ وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وحديث "إنّ عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي" قال النوويّ: له جوابان أحدهما: أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والألم، ولا يدرك ما يتعلق بالعين؛ لأنها نائمة والقلب يقظان. والثاني: أنه كان له حالان: حال كان قلبه لا ينام، وهو الأغلب، وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر، فصادف قصة النوم عن الصلاة. قال: والمعتمد هو الأول، والثاني ضعيف، ولا يقال القلب، وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلًا، لكنه يدرك إذا كان يقظانًا مرورَ الوقت الطويل، فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقًا؛ لأنا نقول: يحتمل أن يقال إنه كان قبله عليه الصلاة، إذ ذاك، مستغرقًا بالوحي، ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يستغرق حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس، كما في قضية سهوه في الصلاة. وقريب من هذا جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم أولى أو على السواء، وقد أجيب عن الإِشكال بأجوبة أخرى ضعيفة، منها أن معنى قوله: لا ينام قلبي، أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه، ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث، وهذا قريب من الذي قبله. قال ابن دقيق العيد: كأنّ قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض، وذلك بعيد، وذلك أن قوله -صلى الله عليه وسلم- "إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي" خرج جوابًا عن قول عائشة: أتنام قبل أن توتر؟ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة الذي تكلموا فيه، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقًا باليقظة.