بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل شيئاً، وروياه عن عمرو بن الحارث وقال في القصة "فغسل مغابنه وتوضأ" ولم يقل "وتيمم" وقال فيه "لو اغتسلت مت". وذكر أبو داود أنّ الأوزاعيّ روى عن حسّان بن عطية هذه القصة، فقال فيها: فتيمم، ورواها عبد الرزاق من وجه آخر ولم يذكر التيمم، والسياق الأول أليق بمراد المؤلف، وإسناده قويّ، لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره. وقال البيهقيّ: يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي. قال النوويّ هو متعين، ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق اللفظ الذي ذكرناه، وقد أوهم ظاهر سياقه أن عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب، وليس كذلك، وإنما تلاها بعد أن رجع للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمّره على غزوة ذات السلاسل، كما يأتي في المغازي إن شاء الله تعالى.
وقوله: فلم يعنف، بحذف المفعول للعلم به، أي لم يَلُم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرًا، فكان ذلك تقريرًا دالًا على الجواز. وفي رواية الكشميهنيّ: فلم يعنفه، بزيادة هاء الضمير. وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاكَ، سواء كان لأجل بردٍ أو غيره. وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين، وجواز الاجتهاد في زمنه -صلى الله عليه وسلم-.
وعمرو هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي القرشيّ السَّهميّ، يكنى أبا عبد الله، ويقال أبو محمد. وأمه النابغة بنت حَرْمُلة، سُبيتْ من بني جلان بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وأخوه لأمه عمرو بن أُثاثَة العَدَويّ. كان من مهاجرة الحبشة، وعقبة بن نافع بن عبد القيس، وزينب بنت عفيف بن أبي العاص أُم هؤلاء وأُم عمرو واحدة، وهي بنت حَرْمُلة المذكورة. ذكروا أنه جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرًا عن أمه، وهو على المنبر، قال: فسأله، فقال: أمي سلمى بنت حرملة، تلقب النابغة من بني عنزة، ثم أحد بني جلان، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ، اشتراها الفاكِه بن المغيرة، ثم اشتراها منه عبد الله بن جُدَعان، ثم صارت إلى العاص بن وائل، فولدت له فأنجبت، فإن كان جعل لك شيء فخذه.