للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزوة ذات السلاسل، وقال له: "يا عمرو، إني أريد أن أبعثك في جيش يُسلمك الله ويُغْنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، فقلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، بل أسلمت رغبة في الإِسلام. قال: يا عمرو، نعم المال الصالح للرجل الصالح" فبعثه إلى أخوال أبيه العاص بن وائل من بَلِيّ يدعوهم إلى الإِسلام في ثلاث مئة، فسار حتى إذا كان بماء بأرض جُذام يقال له السلاسل، وبذلك سميت تلك الغزوة ذات السلاسل، خاف، فكتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمده، فأمده بمئتي فارس من المهاجرين والأنصار وأهل الشرف، فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمَّر عليهم أبا عُبيدة، فلما قدموا على عمرو قال: أنا أميركم، وإنما أنتم حدوي. وقال أبو عبيدة: بل أنت أمير من معك، وأنا أمير من معي، فأبى عمرو، فقال أبو عبيدة: يا عمرو، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إليّ إذا قدمتَ إلى عمرو فتطاوعا ولا تختلفا، فإن خالفتني أطعتك. قال عمرو: فإني أخالفك، فسلّم له أبو عبيدة، وصلى خلفه في الجيش كله، وكانوا خمس مئة.

وكان عمرو أحد الدهاة المقومين في المكر والرأي والدهاء، وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا استضعف رجلًا في رأيه وعقله يقول: أشهد أن خالقك وخالق عمرو واحد، يريد خالق الأضداد، وكان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلى عمرو يمشي قال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلَّا أميرًا. وقال قُبيصة بن جابر: صحبت عمرو بن العاص فما وجدت رجلًا أبْينَ قرآنًا، ولا أكرم خُلُقًا، ولا أشبه سريرة بعلانية منه. وأخرج عن طلحة، أحد العَشْرة، رفعه: "عمرو بن العاص من صالحي قريش".

ورجال سنده ثقات، وأخرج أحمد أيضًا والنَّسائيّ بسند حسن عن عمرو بن العاص قال: فزع أهل المدينة فزعًا فتفرقوا فنظرت إلى سالم مولى أبي حُذيفة في المسجد، عليه سيف مختفيًا ففعلت مثل فعله، فخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا يكون فزعكم إلى الله ورسوله إلا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان". وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات، إلى ابن أبي مليكة مرفوعًا "نعم أهل البيت

<<  <  ج: ص:  >  >>