كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وفائدته كشف المعنويّ بالمحسوس. وقال النوويّ: في تفسير الحكمة أقوالٌ مضطربة، صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله، مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به، والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك. وقد تطلق. الحكمة على القرآن، وهو مشتمل على ذلك كله، وعلى النبوة كذلك، وقد تطلق على العلم فقط، وعلى المعرفة فقط، وقال بعضهم: أصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله، أو الفهم في كتاب الله. فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان، وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان، لأن الإيمان يدل على الحكمة. وقال ابن أبي جمرة فيه: إن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها، ولذلك قرنت معه، ويؤيده قوله تعالى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩].
وقوله: فأفرغه في صدوى ثم أطبقه، وفي رواية مالك بن صعصعة "ثم حشي ثم أعيد" وزاد مسلم في روايته مكانه "ثم حشي إيمانًا وحكمة" وفي رواية شريك "فحشي به صدره ولغاديده" بلام وغين معجمة، أي عروق حلقه قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلىء قلبه إيمانًا وحكمة بغير شق الزيادة في قوة اليقين، لأنه أُعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالًا ومقالًا، ولذلك وصف بقوله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)} [النجم: ١٧].
وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلًا عمن شاهده، فقد جرت العادة بأن من شق بطنه وأخرج قلبه يموت لا محالة، ومع ذلك فلم يوثر فيه ذلك ضررًا ولا وجعًا، فضلًا عن غير ذلك.
وقوله: ثم أخذ بيدي فعَرج بي إلى السماء الدنيا، استدل بعضهم على أن المعراج وقع غير مرة، لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا، ويمكن أن يقال هو من اختصار الراوي، والإتيان بثم المقتضية للتراخي، لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما الإطباق والعروج، بل يشير إِليه،