وقوله: لا يبدل القول لديّ، أي بمساواة ثواب الخمس الخمسين، أو لا يبدل القضاء المبرم، لا المعلن، الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت. وقوله: فقلت استحيتُ من ربي، في رواية مالك بيع صعصعة زيادة، ولكن أرضى وأُسَلّم. وفي رواية الكشميهنيّ "ولكني أرضى وأُسَلّم" وفيه حذف تقديره: سألت ربي حتى استحيت، فلا أرجع، فإني إن رجعت صرتُ غير راض ولا مُسَلّم، ولكني راض وأُسَلّم. وقد وقع من موسى من العناية بهذه الأمة ما لم يقع لغيره، ووقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبرانيّ والبزار، قال عليه الصلاة والسلام: كان موسى أشدهم على حين مررت به، وخيرهم لي حين رجعت إليه. وفي حديث أبي سعيد "فأقبلت راجعًا فمررت بموسى، ونعم الصاحب كان لكم، وقد سألني كم فرَض عليك ربك ... الحديث".
وقال ابن أبي جمرة: إن الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم، فلذلك بكى رحمة لأمته. وقال القرطبي: الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي عليه الصلاة والسلام في أمر الصلاة، لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات بما لم تكلف به غيرها من الأمم، فثقلت عليهم، فأشفق موسى على أمة محمد من مثل ذلك. ويشير إليه قوله: إنّي جرّبت الناس قبلك، وفي رواية: إني بلوت بني إسرائيل. وقال غيره: لعلها من جهة أنه ليس في الأنبياء من له أتباع أكثر من موسى، ولا من له كتاب أكبر، ولا أجمع للأحكام من كتابه، فكان من هذه الجهة مضاهيًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أنْ يتمنى أن يكون له مثل ما أنعم الله به عليه، من غير أن يريد زواله عنه، وناسب أن يطلعه على ما وقع له، وينصحه فيما يتعلق به.
ويحتمل أن يكون موسى لما غلب عليه الأسف في الابتداء على نقص حظ أمته، بالنسبة لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، حتى تمنى ما تمنى، استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم، والشفقة عليهم، ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء. وذكر السهيليّ أن الحكمة في ذلك أنه كان رأى في مناجاته