واستدل به على تحريم الحرير للرجال دون النساء؛ لأن اللفظ لا يتناولهن على الراجح ودخولهن بطريق التغليب مجاز يمنع منه ورودُ الأدلة الصريحة على إباحته لهن، فقد أخرج أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن حبّان والحاكم، عن عليّ "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حريرًا وذهبًا وقال: هذان حرامان على ذكور أمتي، حلٌّ لإناثهم". وأخرج أحمد والطحاويّ، وصححه عن مسلمة بن مَخْلَد أنه قال لعُقْبة بن عامر: قم فحدث بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: سمعته يقول: "الذهب والحرير حرامٌ على ذكور أمتي، حِلٌّ لإِناثهم" فتحريمه على الرجال وحله للنساء هو الذي انعقد عليه الإِجماع بعد ابن الزبير ومن وافقه، وقد نقل عن علي وابن عمر وابن الزبير وأبي موسى وحذيفة، وعن الحسن وابن سيرين حرمتُه حتى على النساء، وقال قوم: يجوز لبسه مطلقًا، وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه على من لبسه خُيَلاء أو على التنزيه، وهذا الثاني ساقط كثبوت الوعيد على لبسه. وقد أخرج البخاريّ عن ابن الزبير عن عمر رفعه "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" زاد ابن الزبير "ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة" قال الله تعالى {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[الحج: ٢٣]. وأخرج النَّسائي مثله عن ابن عمر، وأخرج النَّسائيّ وأحمد، وصححه الحاكم عن أبي سعيد "وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور مقتض للعقوبة المذكورة، وقد يتخلف ذلك لمانع، كالتوبة والحسنات التي توازن، والمصائب التي تكفر، وكدعاء الولد بشرائط، وكذا إشفاعه من يأذن له في الشفاعة، وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين.
وفيه حجة لمن أجاز لبس العَلَم من الحرير إذا كان في الثوب، وخصه بالقدر المذكور، وهو أربع أصابع، وهذا هو الأصح عند الشافعية، وفيه حجة على من أجاز العَلَم مطلقًا، ولو زاد على أربعة أصابع، وهو منقول عن بعض المالكية، وفيه حجة على منع العلم في الثوب مطلقًا، وهو ثابت عن الحسن وابن سيرين وغيرهما، لكن يحتمل أن يكونوا منعوه ورعًا، وإلّا فالحديث حجة عليهم، فلعله لم يبلغهم.