الإِسلام في جهة مغرب الشمس قليلة، ونقل عياض أن رواية أكثر ضم القاف في المشرق، وعليه يكون معطوفًا على باب، أي: وباب حكم المشرق، ثم حذف من الثاني "باب وحكم" وأقيم المشرق مقام الأول، ووجه السهيلي رواية الضم بأن الحامل ذلك كون المشرق فيه القبلة، مخالفًا لحكم المدينة، بخلاف الشام، فإنه موافق، وصوّبها الزركشيّ قال: لما في الكسر من إشكال، وهو إثبات قبلة لأهل المشرق، وأجاب ابن رشيد بأن المراد بيان حكم القبلة هو توافقت البلاد أو اختلفت.
وقال الدمامينيّ: إثبات قبلة لأهل المشرق في الجملة لا إشكال فيه؛ لأنهم لابد لهم من أن يصلوا إلى الكعبة، فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا، إنما الإشكال لو جعل المشرق نفسه قبلة مع استدبار الكعبة، وليس في جر المشرق ما يقتضي أن يكون المشرق نفسه قبلة، وكيف يتوهم هذا والمؤلف قد ألصق بهذا الكلام قوله: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة؟
ثم قال: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا". هذه جملة مُسْتَأْنَفَة من ثقة المصنف، ومراده بذلك لأهل الشام والمدينة، فالخطاب في قوله: شرقوا أو غربوا مخصوص بالمخاطبين، وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سَمْتِهم مَن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها. أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب، وكذلك عكسه. وفي رواية الأربعة إسقاط "قبلة" وعليه يكون "باب" التنوين أي هذا باب، وقبلة أهل المدينة مبتدأ خبره ليس في المشرق ولا في المغرب، ولكن على هذا لابد من تأويل قِبلة بمستقبل، ليطابق المبتدأ الخبر في التذكير، لوجوب التطابق بينهما في التذكير والتأنيث. ويؤول المشرق بالتشريق والمغرب بالتغريب، أي مستقبل أهل المدينة ليس في التشريق ولا في التغريب.
قلت: ركن يرد على هذه الرواية، وما أولت به أن المشرق المذكور في الترجمة قبلته في التغريب كما مرّ قريبًا. وقوله: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ... إلخ، وهذا