وقوله: مصلّى، أي قبلة. قاله الحسن وغيره، وبه يتم الاستدلال. وقال مجاهد: أي مَدْعى يُدْعى عنده، ولا يصح حمله على مكان الصلاة؛ لأنه لا يصلى فيه، بل عنده، ويترجح قول الحسن بأنه جارٍ على المعنى الشرعيّ، واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضًا، بصلاته -صلى الله عليه وسلم- داخل الكعبة، فلو تعيّن استقبال المقام لما صحت هناك؛ لأنه كان حينئذ غير مستقبله، وهذا هو السر في إيراد حديث ابن عمر عن بلال في هذا الباب.
وقد روى الأزرقيُّ في أخبار مكة، بأسانيد صحيحة، أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله، حتى وجد بأسفل مكة، فأُتي به فَرُبط بأستار الكعبة حتى قدم عمر، فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول، فأعاده إليه، وبنى حوله فاستقر. ثمَّ إلى الآن. وما قاله الأزرقي مروي خلافه، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء ومجاهد وغيرهما: كان المقام من عهد إبراهيم لِزْق البيت، إلى أن آخره عمر رضي الله تعالى عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. وأخرج البيهقيّ عن عائشة بسند قويّ مثله، ولفظه "إنّ المقام كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخّره عمر".
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد "أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حَوّله" والأَول أصح. وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عُيينة قال: كان المقام في سُقْع البيت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحوله عمر، فجاء سيل فذهب به، فرد عمر إليه، قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا، ولم تنكر الصحابة، ولا من جاء بعدهم، فعل عمر، فصار إجماعًا، وكأنَّ عمر رأى أن ابقاءه هناك يلزم منه التضييق على الطائفين، أو على المصلين، فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك؛ لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلَّى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن، ولم تزل آثار قَدَمَي إبراهيم عليه الصلاة والسلام حاضرة في المقام، معروفة عند أهل الحرم، حتى قال أبو طالب في قصيدته المشهورة: