منه، فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازًا، ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى، إما متقاضيًا وإما مذكرًا. وظاهر رواية الطبرانيّ المتقدمة قريبًا أن مخاطبة عتبان بذلك، كانت حقيقة لا مجازًا. وقوله: قد أنكرت بصري، كذا هو في أكثر الروايات عن ابن شهاب، وللطبرانيّ "لما ساء بصري" وللإسماعيليّ "جعل بصري يَكِلّ" ولمسلم "أصابني في بصري بعضُ الشيء" وكل هذا ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن أخرج المصنف في باب الرخصة في المطر عن مالك عن ابن شهاب، فقال فيه: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر ... الحديث، وليست هذه الرواية معارضة لغيرها، بل قول محمود: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث، لا حين سؤاله للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وبينه قوله في رواية يعقوب "فجئت إلى عتبان، وهو شيخ أعمى يؤم قومه".
وأما قوله: وأنا رجل ضرير البصر، أي أصابني منه ضر، فهو كقوله "أنكرت بصري" ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية ابن ماجه: "لما أنكرت من بصري" وقوله في رواية مسلم المارة "أصابني في بصري بعض الشيء" فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه، لكن في رواية لمسلم بلفظ "إنه عمي فأرسل" وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب الزهري، فقال: قوله أنكرت بصري، هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء, وإن كان يبصر بصرًا ما، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئًا، والأولى أن يقال: أطلق عليه العمى لقربه منه، ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في الصحة، وبهذا تأتلف الروايات.
وقوله: أصلي لقومي، أي لأجلهم، والمراد أنه كان يؤمهم، وصرح بذلك أبو داود الطَّيَالسِيّ. وقوله: سال الوادي، أي سأل الماء في الوادي، فهو من إطلاق المحل على الحالّ. وقوله: بيني وبينهم، وللإسماعيليّ "يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي، فيحول بيني وبين الصلاة معهم". وقوله: فأصليَ بهم، بالنصب عطفًا على "آتي". وقوله: وَدِدْت، بكسر الدال الأُولى،