للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحابيّ آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث. وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولًا ومختصرًا، وقد سمعه من عتبان أيضًا أنس بن مالك، كما عند مسلم. وسمعه أيضًا أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان كما عند الطبرانيّ.

ويأتي في "باب النوافل جماعة" أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان، فأنكره، لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين، وأحاديث الشفاعة دالة أن بعضهم يعذب، لكن للعلماء أجوبة عن ذلك، منها أن ذلك فيمن قال الكلمة وأدى حقها وفرضيتها، فيكون الامتثال والانتهاء مُدْرَجَين تحت الشهادتين.

ومنها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب حديث الباب: ثم نزلت بعد ذلك فرائضُ وأمورٌ، نرى أن الأمر قد انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر. وفي هذا نظر. لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة، وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدًا، وأيضًا وقع مثل هذا الحديث لأبي هريرة كما عند مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول كثير من الفرائض، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى، رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هُريرة، ومنها أن ذلك خرج مخرج الغالب, لأن الغالب أن الموحد إذا قالها مخلصًا لا يترك الفرائض, لأن الإخلاص يحمل على أداء اللازم.

ومنها أن المراد تحريم الخلود، أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين، لا الطبقة المعدة للعصاة، ومنها أن المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح، والتجاوز عن السيء، ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته، لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد، ومنها أن مطلَقَه مقيدٌ بمن قالها تائبًا، ثم مات على ذلك قبل أن يتمكن من الإتيان بأمر آخر. قاله في الفتح بزيادة يسيرة من المرقاة.

وفي هذا الحديث من الفوائد إمامة الأعمى واخبار المرء عن نفسه بما فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>